Tuesday, May 27, 2008

موسم المدارس والعائلات الفقيرة في شاتيلا عذابات ناس المخيم لتأمين الحقيبة وحبة الدواء

سلوك الازقة الضيقة في مخيم شاتيلا، يدخلك الى عالم عائلات تنطوي على فقرها بل مآسيها الحقيقية دون حد أدنى من المبالغة. عائلتا أبو محمد وام رشيد من هذه العائلات. نبدأ مع الاولى، الباب يفتح أثناء النهار، يوصل الى سلم ضيق قذر تركد عليه مياه غسيل وسخة، بعد المرور على غرفة الجدة المريضة عند أسفل السلم، تعود صعودا الى بيت صغير علقت على جوانبه «مناشر» الغسيل. الصالون يحوي كنبات أربع وتلفازا وكوتان. الأب أبو محمد الضرير يجلس على طرف الكنبة العتيقة، فقد تسببت ضربة أستاذه في المدرسة منذ الصغر بانفصال في الشبكية أدى الى فقدان دائم لبصره، يضع نظارات سوداء على عينين لا تريان شيئا. أم محمد الأم، تسببت مجزرة صبرا وشاتيلا بقطع رجلها «وأنا الآن أضع طرفا اصطناعيا، وليس معي تكاليف متابعة العلاج ولا أستطيع حتى الركوب في سيارة». يتحدث أبو محمد «لا معيل لعائلتي المؤلفة من خمسة أشخاص إلا أهل الخير. وتقدم المؤسسات مثل بيت أطفال الصمود وعباد الرحمن وصندوق الزكاة، أشياء رمزية خصوصا في رمضان». الكتب والقرطاسية من حقائب ولوازم مدرسية هي نواقص مصطفى (البريفيه)، وآمنة (الخامس ابتدائي) ومروة (الثاني ابتدائي). الاطفال الثلاثة بدأوا عامهم الدراسي في مدارس الاونروا منذ عدة أيام. وتقول أم محمد ان «مروة تبكي تريد حقيبة مدرسية جديدة، بعد أن دفعت 10 آلاف ليرة ثمن حقيبة جديدة لآمنة». وتضيف «أحضرت لمصطفى حقيبة مستعملة، رفضها وفضل استعارة أخرى من أحد أصدقائه. الزي المدرسي قديم اشتريته للاولاد منذ السنة الماضية. أما الكتب فمجانية. ويبقى أمامي شراء الدفاتر والاقلام». «أنا مروة خير الدين محسن في الصف الثاني. أذهب الى المدرسة عند الثانية عشرة ظهر كل يوم، واليوم يسلموننا الكتب» هذا ما ترويه الفتاة ذات الاعوام الستة. بينما تقول أختها آمنة «سلمونا البارحة كتب تمارين اللغتين العربية والانكليزية والجغرافيا والتربية. ولقد انتقيت حقيبة جديدة اشترتها لي أمي». مشاكل الدراسة والصحة مليون وسبعمئة ألف ليرة لبنانية فقط لا غير، هي كلفة التسجيل في معهد التمريض التابع لمستشفى الساحل الذي تدرس فيه نهاد، أكبر بنات أبو محمد. تروي نهاد التي أنهت العقد الثاني من عمرها، معاناتها في تأمين قسط السنة الدراسية القادمة، «استدان والدي قسطي السنة الماضية، والسنة المقبلة أنوي التوقف عن الدراسة ـ ان شاء الله ـ لان أحوالنا المادية لا تسمح». وتضيف «يلزمني أيضا خلال السنة الدراسية لقاح كل شهرين بكلفة 75 ألف ليرة لبنانية،جربت ان أعمل مرة كممرضة للجيران، لكن الناس معترين هنا ليس معهم مصاري». يتابع أبو محمد: «عند إجراء الفحوصات الطبية العادية لابنتي آمنة في المدرسة السنة الماضية، لاحظت الطبيبة أن دقات قلبها غير منتظمة، فأخذتها الى مستشفى الزهراء، حيث تم إجراء صورة شعاعية وتخطيط لقلبها تبين اثرهما ان صمام القلب ضيق». ويتابع «لكن الطبيب في المستشفى لم ينصح بالعملية لحين بلوغها، يجدر الآن استعمالها أدوية الالتهابات والفيتامينات حتى الوقت الذي يحين موعد تركيب صمام بلاستيكي، أو يتبرع لها أحدهم بصمام طبيعي، وإلا فيضع لها صمام صناعي»، ويشير الى ان «بيت أطفال الصمود ساعدنا بتكاليف الفحوصات البالغة 200 ألف ليرة لبنانية». وعائلة أم رشيد «كنت في الصف السادس في مدرسة رام الله في شاتيلا، لكني توقفت عن الدراسة كي أساعد والدي الذي كان مريضا، على تأمين لقمة العيش لإخوتي الصغار الجياع»، هذا ما يحدث به رشيد (17 سنة) «عملت في جمع النحاس والالمنيوم بسبب ظروفنا القاهرة»، يضيف بحسرة «تخليت عن مستقبلي من أجل عائلتي. تعلمت مصلحة التكييف والتبريد والآن بيدي مصلحة صب المعادن والحدادة والبويا والدهان». أم رشيد الام تتشح بالسواد بعد وفاة زوجها منذ سنتين، تتحدث وتريق دموعها: «عندي أربعة أولاد الى جانب رشيد. التوأم ليال ورباب في الصف الثامن في مدارس الاونروا في بئر حسن، بليت بعبء جديد هو مصروف الاوتوكار لهما الى جانب هم القرطاسية». وتقول «محمد في الصف السادس في مدرسة رام الله، وعلي (4 سنوات) يعاني من التهابات في دمه وهو في صف الروضة الثانية في براعم الايمان». وتشكو أم رشيد ضعف أولادها في المدرسة التي بدأت السنة الدراسية الجديدة فيها منذ أيام، «الكتب من الاونروا والناس يساعدوننا في تأمين القرطاسية ـ الحمد لله ـ وما ينقص يجب أن أحضره بنفسي». «زوجي توفي منذ سنتين، لا أحد يعمل، نحن على باب الله، بعض المؤسسات تدعمنا. لكن في رمضان، الله لا يقطع أحدا، الخير كثير، وكل الناس تحــب المساعدة، الحمد لله». ليس بالحمل السهل على الاهل أن يقفوا مكتوفين عاجزين عن تأمين أبسط حاجات أبنائهم ومتطلباتهم البديهية. لقد أسرفت الحياة على هاتين العائلتين وعلى سواهما من عائلات تتدثر الفقر والمرض دون حد أدنى من مقومات العيش، أو حتى أشياء بسيطة من نوع حقيبة جديدة من النوع الرخيص، أجرة الاوتوكار، حبة الدواء و.. بعض من مجتمع اللجوء الفلسطيني في لبنان حيث تفتقد كل أنواع الضمانات الاجتماعية والاقتصادية للاطفال والعجزة والشباب. لذلك يستوطن الحزن العميق في نفوس الناس الى ان يحين موعد الفرج.
فاطمة قاسم
السفير

No comments: