Tuesday, May 27, 2008

نزوح الشباب إلى بيروت للدراسة والعمل يغير السلوك ضرورات التماشي مع المحيط للاندماج مع المجتمع

موضة، صداقات جديدة، أفكار منفتحة، اعتماد على النفس،هواتف نقالة، عمل، مصروف"، كل هذه التغييرات هي كلفة الانتقال الى بيروت للعمل أو الدراسة. نمط حياة بأكملها يتغير نتيجة السكن في جو جديد، تختلف عاداته وتقاليده. "العيب" هناك ربما ليس عيبا هنا. ارتداء انواع من الملابس لا يثير كلام الناس، اتخاذ صداقات مع الجنس الآخر والخروج الى المقاهي والدرس معا ليس بالامر المهم او اللافت.والانتقال دفعة نحو الاعتماد على الذات وايجاد عمل لتأمين مصروف الكماليات" الاساسية" في هذا الوضع الجديد. في سنواتهم الاولى في بيروت، يسعى بعض الشباب او الشابات الى ابراز انفسهم من خلال مظهر خارجي لا يلبثون ان يكتشفوا انه "موضة قديمة"، ان من حيث الملابس او التسريحة او حتى التبرج. «كل هنا يحمل هاتفا نقالا.الشاب يبدّل ثيابه أكثر من مرة يوميا والتسريحة لا تكون جيدة إلا بال«الجل»، هذا ما يقوله محمد علي الشاب القادم من بنت جبيل الجنوبية الذي يحاول ان يبتعد عن اللكنة الجنوبية التي لا تلبث ان تظهر بوضوح. محمد في بيروت بهدف دراسة ال"Information Technology" التي يتابعها في جامعة "ميكات" الخاصة. يتحدّث محمد عن مصروفه الذي "أصبح كبيرا هنا بسبب كثرة المصاريف الجانبية. فالضهرات المختلطة الى المقاهي للتسلية والمشاوير تكلّف أكثر، والثياب أهتم بها بشكل أكبر فأشتريها على الموضة. لذلك اضطررت ان اعمل بعد الظهر بدوام جزئي ستة ساعات بعد الجامعة حتى ألبّي حاجاتي الخاصة، بعدما تكفل والدي بقسط الجامعة. وفي هذا المجتمع يحتاج المرء الى كمية أكبر من المال حتى يتماشى مع المتطلبات، والاهل يعتبرون ان ما يهم فقط هو المسكن والاكل". ويضيف محمد "صرت بحاجة الى اشياء أخرى مكلفة كالكمبيوتر والانترنت". ويتذكر محمد انه في "الضيعة" التجمع للسهر كان في الساحة مع الاقارب والأصدقاء دون وجود الفتيات او الاختلاط إلا نادرا. ويلاحظ محمد ان "الشاب النازح معرّض للانحراف بشكل اكبر من الآخرين، لأن الوضع يتغير فجأة بالنسبة له، ما يمكن ان يشكّل مشاكل في بعض الاحيان".مشهد آخر، ميساء فتاة أتت من الشمال لتكمل دراستها الجامعية في بيروت.الوان ثيابها فاتحة، حجابها مزركش بأنواع مختلفة من القماش والالوان، تنتعل حذاءً بلون أحمر فاقع، متبرجة بماكياج كثيف، وتقول "خروجي كان قليلا والأماكن التي اعتدت ارتيادها بسيطة، تقتصر على بعض الاقارب والجيران". وتعتبر ميساء ان الأمور اختلفت ، اذ صرت بحاجة الى ثياب اكثر نظرا لتوسع علاقاتي الاجتماعية. وهنا لا تعتبر علاقات الصداقة مع الجنس الآخر غريبة.فقد اعتدت التقيد بالعادات والتقاليد التي لا تحبّذ ذلك. أنا ملزمة بها فكل الامور ترجع الى البيئة التي نشأت فيها.وتشير ميساء الى انها تعيش مع أهلها في بيروت، وليس عليها عبء ايجار البيت، "اذ يعمل أبي في بيروت،مما اضطررنا للمجيء معه. لكن يبقى مصروفي كبيرا: بدل النقل ومصاريف الجامعة ومصاريف اخرى كثيرة". وتلفت ميساء الى ان أحد اقاربها من أهل الشمال ، اضطر ايضا للانــتقال الى بـيروت للعمل، وبسبب غلاء المعيشة "ينام عندنا وهو يدرس في أحد المعاهد أيضا. ويقول انه لا يشعر أبدا بالانتماء الى بيروت، فهو متعلق بالضيعة ويفتقد أسرته، ويشعر بعبء المسؤولية في المستقبل، اذ ان بنــاء عائلة في هذا البلد أصبح شبه مستحيل".من المقلب الآخر في لبنان قدمت هبة (19 عاما)، لتسكن مع أخيها وأختها في حي السلم في الضاحية الجنوبية تاركين الأهل في ميس الجبل في الجنوب. وتقول «أنهيت مدرستي في الجنوب وأتيت الى بيروت منذ سنتين للدراسة الجامعية، فأنا أدرس الصحافة في كلية الاعلام والتوثيق، وقدم أخي وأختي من أجل عمليهما في الدرك ومتجر الملبوسات». وتضيف " أكلنا كله جاهز هنا، والطبخ قليل". وتشير هبة الى حبها للعيش في بيروت "افتقدت أهلي ، وتعلمت تحمل المسؤولية إذ لم أعتد ذلك فمنذ صغري لم أعمل شيئا في البيت، هنا أنظف وأقوم بكل شيء خاص بالمنزل. أزور الضيعة بمعدل مرة كل ثلاثة أسابيع والأعياد». وتلفت هبة الى ان «الحياة في بيروت مخيفة وتحتاج الى وعي كبير وتحمل عال للمسؤولية، فإن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب".من بعلبك تأتي زينب التي تسكن في الضاحية الجنوبية في شقة مفروشة مع ثلاث بنات منذ سنتين، «القدوم من بعلبك للعيش هنا، حتما يترك تغييرات جذرية»، هذا ما تراه زينب التي تعمل بدوام جزئي بعد الظهر سعيا منها "للتخفيف من مصاريفي الشخصية، كون أهلي يؤمنون القسط المرتفع لجامعتي الخاصة ".وتقول "تأقلمت مع الناس من ناحية اللباس والتفكير حتى أتماشى وأندمج مع من حولي ولا أكون منعزلة عن العالم. أحببت منذ صغري ارتداء الثياب على الموضة، لكن المحلات في بعلبك لا تتوافر فيها الملابس العصرية التي تواكب الحداثة. الآن صرت أذهب الى الحمرا وفردان لانتقاء ملابسي، فأنتظر الحسومات لتكون ثيابي على الموضة". وتشير زينب الى عدم تشدد عائلتها وتعصبهم من ناحية العلاقات الاجتماعية مع الشباب "أصدقائي الشباب في الضيعة كانوا من الاقارب والجيران. كنا نسهر عند بعضنا البعض في السهرات العائلية. وهنا بقيت علاقاتي ضــمن الحدود، لكن باستطاعتي الذهاب الى المقاهي والسينما وطبعا كل ذلك علنيّ". وتلفت زينب الى انها عندما تزور ضيعتها "تظهر عليّ تغييرات "المدينة"، فبعض الناس يقولون" نزلت على بيروت وفلتت"، لكن أهلي لا يتأثرون بكلام الناس، ويقومون بزيارتي من فترة الى أخرى. وأنا صرت في بيروت لكنني متمسكة بعاداتي وتقاليدي".
فاطمة قاسم

No comments: