Tuesday, May 27, 2008

أحد عشر بينهم 7 أطفال في غرفة واحدة في شاتيلا :دموع لشهداء الجيش برغم معاناة التهجير


الغرفة الصغيرة مظلمة، بقعة صغيرة منها مضاءة بشمعة، طفل ممدد على فراش رطب يعاني الحساسية والزكام. عبد الهادي ذو الاثني عشر ربيعا، يقيم مع جده وجدته ووالديه وإخوته الستة في بيت صغير معتم خال إلا من بعض الفرش القديمة وخزانة مهترئة قالت «أم العبد» ان جارتها قدمتها لها بعد اللجوء. هذه هي الصورة الاولى عن حال عائلة أبو العبد الفلسطينية التي هجرت من مخيم نهر البارد، بعيد بدء اشتباكات الجيش اللبناني مع تنظيم فتح الاسلام . أم العبد التي حدثت كانت تارة ترسم على وجهها ابتسامة ساخرة من الوضع، وطورا تذرف دمعة قهر وحسرة على الخسارة. فبعد تعرض منزلهم الكائن في الطبقة الرابعة لخطر الدمار فوق رؤوس ساكنيه، قرر أبو العبد المجازفة واللحاق بسيارة اسعاف كانت مهمتها في ذلك الوقت نقل الجرحى من داخل المخيم، وذلك خلال «الهدنة» الصغيرة الموقتة. قضى أبو العبد وعائلته ثلاثة أيام في منزل شقيقته في مخيم شاتيلا في بيروت، ثم استأجر غرفة تسمى بيتا صغيرا بمبلغ 150الف ل.ل. وآوى فيها أطفاله السبعة المحرومين من أبسط حقوق الطفولة، كما حرم من حق ضمان الشيخوخة والحياة الكريمة الجدة والجد الذي يعاني اضطرابات عصبية بسبب تعرضه لصدمة التهجير الثانية خلال حياته بعد تهجير اول من مخيم تل الزعتر شرقي بيروت الذي سقط في آب .1976 قالت أم العبد إنها حصلت على مبلغ مليوني ليرة لبنانية بعد تهجيرهم من المخيم من السعودية تسلمتها من وكالة الغوث ـ الاونروا، وما زالت تنتظر المبلغ الذي وعدتهم به الوكالة لسداد ايجار بيتهم «الجديد». ما زال زوجها بلا عمل، برغم كونه المعيل الوحيد للاسرة، ولا مصدر مساعدة خارجيا إلا بعض المؤسسات الاجتماعية التي تقدم المواد الغذائية، خصوصا «بيت أطفال الصمود» التي تقدم الالبسة والحفاضات والادوية. «ولا تخلو الدنيا من فاعلي الخير الذين يدقون بابنا في بعض الاحيان فيعطوننا مبلغا ماليا». وتابعت ام العبد «لا نعرف الليل من النهار، لا يوجد ضوء ونحن محرومون من أبسط الحقوق البشرية. وأنا رغم معاناتي من «الديسك» فإنني أغسل الملابس على يدي. وأعالج في مؤسسة الحريري بلا مقابل. وتتابع أم العبد صحة اولادها في مستوصفات الهلال والاونروا، «ابني يوسف (5 سنوات) يعاني حساسية في صدره، فالطقس هنا حار ورطب، وأنا أخاف على عائلتي من قدوم الشتاء لأن مياه المجارير تطوف على البيوت. لا نعرف مصيرنا ولا يوجد من يهتم». وأضافت: «لا أسمح لأولادي باللعب خارجا بسبب قلة النظافة». أطفال بلا حقوق ترك عبد الهادي (12 سنة)، مجدي (12 سنة)، رزان (11 سنة)، أيمن (9 سنوات) ويوسف (5 سنوات) مدرستهم قسرا، فأكملوا 15 يوما في مدرسة أريحا التابعة للاونروا في بيروت. قال عبد الهادي: «من المفروض ان انتقل الى الصف السابع السنة المقبلة، لكن المدرسة الجديدة لم تسمح لنا بإجراء الامتحانات النهائية بسبب عدم حصولنا على الكتب». لا تعجب عبد الهادي الحياة في شاتيلا فرفاقه جميعا في البداوي. ولفتت رزان الطفلة الصغيرة النحيلة الى انها قامت بعدد من الاشغال اليدوية والالعاب الترفيهية والرحلات الميدانية التي نظمها بيت اطفال الصمود، «وأنا أيضا يجب ان انتقل الى الصف السادس»، وتابعت « نهر البارد أفضل، هنا تكفي روائح مياه المجارير». «بيت أطفال الصمود» المدير العام للمؤسسة الوطنية للرعاية الاجتماعية والتأهيل المهني ـ «بيت أطفال الصمود» قاسم العينا قال: بعد تدمير مركزنا في نهر البارد تم نقل طاقم الموظفين والاطفال الذين تتكفل بهم المؤسسة الى مركز البداوي. فاستكمل النشاط والمساعدة التي تقدمها هذه المؤسسة التي تعنى بالاطفال الذين فقدوا والديهم او أحدهما، بغض النظر عن جنسياتهم، فتقدم دعما ماليا شهريا للطفل المتكفل، أو بتقديم مساعدات عينية من ملابس وحفاضات وأدوية. وتمول المؤسسة من المنظمات الأجنبية والعربية غير الحكومية الصديقة. والمؤسسة تأسست في العام 1976 بعد مذبحة تل الزعتر لتأمين المساعدة والدعم للأطفال الايتام. رئيس قسم الشؤون الادارية والمالية في «بيت أطفال الصمود» ذياب قاسم قال: ينظم مركز المؤسسة في البداوي يوميا نشاطات صباحية متنوعة وبرامج مسائية موسيقية وألعابا خارجية وأشغالا يدوية لاطفال البارد. ويقوم بالمهمة متطوعون مدربون على العمل مع الاطفال، مشيرا الى ان للمؤسسة «خمس عيادات أسنان ومراكز إرشاد أسري تعالج بمساعدة متخصصين الاطفال الذين يعانون حالات نفسية مرضية. كما تنظم المؤسسة دورات حول الصحة الانجابية والرعاية الصحية، وتتابع عملها الاجتماعي في متابعة أسر المؤسسة والاطمئنان عليهم بتوزيع المساعدات العينية والنقدية، بالاضافة الى الاندية الرياضية والقيام بمشروع تنظيف أماكن النازحين في التجمعات. وتضم المؤسسة سبع روضات للاطفال في مراكزها الاحد عشر في مختلف انحاء لبنان. «بيتي أو الانتحار» رغم معاناة المواطن اللبناني أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية متتالية، تدني خدمات الكهرباء ومياه الشرب وغيرها، يبقى اللاجئ الفلسطيني في وضع أشد تأزما وعوزا مفتقدا شتى الضمانات الصحية والاجتماعية التي تضمن له حياة كريمة، خصوصا الاطفال منهم المعرضين للتهجير المتجدد، فهم يفتقرون الى الغذاء السليم والنظافة ويواجهون ضغوطا نفسية قاسية تسبب لهم اضطرابات، ويفتقدون براءة الطفولة المعتادة عند هذه الفئات العمرية. «اللي صار فينا مش هين»، هذه كلمات الجدة أم نزار التي كانت تبكي بقهر وحزن عميقين على ما حدث لها ولعائلتها وصغارها الذين لا حول لهم ولا قوة، «كل الشعوب لها أوطان وهويات وحقوق إلا الشعب الفلسطيني ينام في ظلام دامس لن يفيق من محنته إذا بقي الوضع على حاله»، وأضافت ساخرة ومقهورة «يا ليتنا خلقنا جراثيم في الأرض أو متنا، قلبي سينفجر اذا لم أرجع الى بيتي في مخيم نهر البارد الذي قضيت في بنائه مع زوجي 60 عاما، أرجعوني الى بيتي او الى فلسطين او سأنتحر». تذرف الدمع على بيتها وتذرف دموعا حارقة على «أولادها» من شباب الجيش اللبناني الذين «قاموا بحمايتنا فلماذا قتلوا؟؟!».

فاطمة قاسم

السفير12-9-2007

No comments: