Tuesday, May 27, 2008

بالإضافة إلى الكثافة السكانية القاتلة وتردي الأوضاع كافة ميـاه الشتـاء تحـول مخيـم شاتيـلا إلـى مستنقـع

«يصل منسوب مياه الأمطار الى أكثر من 40 سم داخل بيتنا فيتلف أغراضنا»، هذا لسان حال محمد سعد من سكان مخيم شاتيلا في بيروت. يتألف منزل محمد المطليّ حديثا، من فرشتين وطاولة بلاستيكية وتلفاز، ويعيش مع أخته الكبيرة بعد وفاة الأخرى السنة الماضية بسبب «غلطة حكيم» ووفاة أمه وأبيه. ويضيف محمد: «يمنعنا طوفان المياه من الذهاب الى أشغالنا. لا نستطيع العمل ولا حتى النوم. في الماضي، اعتصم الناس لكن اليوم لا أحد يتحرك لأنه ما من أحد يسمع». مع بداية فصل الشتاء، يتذكر سكان المخيم حالة الشوارع عند بدء هطول الأمطار. «مياه المجاري تطوف على البيوت، وتنبع من قلب البلاط لتصل الى أسرّتنا فنسبح ونحن نيام»، هذا ما يقوله أبو علي الذي أشار الى أن المياه تبقى أحيانا يومين أو ثلاثة، لافتا الى ان «المياه تأتي من كل المناطق لتصب في المخيم فيصبح مستنقعا». ويضيف «نذهب الى مدير المخيم فلا يفعل شيئا. نحجز في بيوتنا ونغيب عن أعمالنا ومشاغلنا». «منسوب المياه يصل الى 70 سم. فمعظم الأبواب مغلقة بالباطون بارتفاعات تتناسب مع ارتفاع منسوب مياه المطر الذي يختلط بالقاذورات»، كما يقول ابو مجاهد. المشكلة الصحية المتردية «الوضع الصحي في المخيم سيئ للغاية: البيوت لا تدخلها الشمس، مبيدات الحشرات ترش فقط كل شهرين، النفايات لا ترفع إلا مرة واحدة صباحا، وعندما تقوم «الاونروا» بشفط المياه، ترميها في أماكن أخرى قريبة كي تطوف!» كما يؤكد العجوز أبو عماد. ويعدّ أبو صالح الأمراض الرئوية التي تصيب السكان، من الربو الى الحساسية وضيق التنفس والانفلونزا... فتعج عيادات «الاونروا» بالمرضى الذين لا تسنح الفرصة بالحصول على البطاقة المطلوبة إلا حتى التاسعة صباحا كي يتلقوا العلاج «السريع». ويؤكد مصدر من «المساعدات الشعبية للإغاثة والتنمية PARD» ان المسؤول عن النظافة والحالة البيئية هو «الاونروا»، بالإضافة الى عدد من الجمعيات التي تقوم بحملات نظافة مثل PARD و«الهلال الاحمر الفلسطيني» والمؤسسات الأهلية العاملة في المخيم مثل «بيت أطفال الصمود»، جمعية «النجدة الشعبية»، «مركز الفتوة والشباب»، الاتحادات الشبابية و«النادي الثقافي الفلسطيني». فتقوم هذه الفعاليات بجمع النفايات ورش المبيدات. كما تعقد ندوات لتوعية الأهالي حول أهمية النظافة. ويشير المصدر الى ان هناك « اتفاقا مع «سوكلين» على ان تضع «الاونروا» النفايات في مكان محدد كي تأخذها الشركة المتعهدة بالتعاون مع بلدية الغبيري». ويضيف «تفتح «الاونروا» مصارف المياه المسدودة، لكن ضمن إمكانيات محددة. في شاتيلا: المجارير غير مكشوفة كباقي المخيمات، لكن في المقابل، لا اكتراث من الناس، فيهملون ما يملكون في بيوتهم من قساطل وأدوات حتى تتفاقم حالتها». ويرى المصدر أن «الحاجة الكبرى في المخيم هي للتوعية والإرشاد الصحي للسكان». ويشير الى ان «عملية جمع النفايات كانت تقوم بها «المساعدات الشعبية النروجية» منذ سنتين، لكن تحولت الأدوات والعمال الى «PARD»: 3 عمال ومشرف، لديهم « Pick up» لرفع النفايات، ويساهمون في فتح المجارير وتصليح المياه، لان عدد عمال «الاونروا» غير كاف لمخيم نما بهذه السرعة. ويستمر عملهم يوميا من السابعة صباحا حتى الثانية من بعد الظهر. كما تقوم PARD بالتوعية الدورية للنساء في المخيم». أما مدير مركز «الفتوة والشباب» أبو مجاهد، فقد شرح وضع المخيم قائلا انه «صدر مرسوم جمهوري في العام 1959 يحدد العلاقة بين الاونروا والسلطات اللبنانية: يعود للحكومة اللبنانية توفير المياه والأمن والأحوال الشخصية. وعلى منظمة الاونروا توفير المسكن، الخدمات الاجتماعية، التعليم والطبابة. ووفق الاتفاق فإن الجوانب الرعائية والاجتماعية هي مسؤولية الاونروا بشكل مباشر». ويلفت ابو مجاهد الى ان «عدد سكان المخيم هو 18 ألف نسمة والاونروا لا تعترف إلا بمسؤوليتها عن 8500 نسمة منطلقة من اعتبار ان باقي السكان ليسوا فلسطينيين. تقوم «الاونروا» يوميا برفع النفايات في ظل غياب الحاويات بسبب ضيق الأزقة والطرق. وبعد الظهر، تصبح الشوارع مكبات للنفايات. وعن مياه الشفة يقول ابو مجاهد «اتفقت «الأونروا» وشركة مياه بيروت في الخمسينيات على تأمين 60 م مكعب من مياه الشرب، ولكن وبفعل التعديات على هذا الخط من الخارج (الحرش وحي فرحات)، لا يصل منه إلا القليل وما يصل منه للمخيم يتم سحبه بـ«الموتورات» من قبل فئات قليلة من سكان المخيم. ونتيجة لعدم توفر مياه الشرب في المخيم، كثرت محلات تكرير المياه التي غابت عنها الرقابة الصحية. أما على صعيد مياه الآبار الارتوازية فإنها لم تعد تكفي حاجات السكان، وحاليا هناك ثلاث آبار ارتوازية تم حفرها بمساعدات من مؤسسات دولية بمواصفات لا تصلح كمياه للشرب... وتتعطل أيضا عند تعطل المضخات». وبالنسبة للكهرباء فقد أشار ابو مجاهد الى ان «التقنين هنا يعود الى عدم قدرة احتمال المحولات للضغط وهي لم تكن أساسا بالقوة الكافية لتغذية المخيم. فمن أصل ست محطات لتوليد الطاقة الكهربائية كانت موجودة سابقا، لم يتبق منها سوى محطة واحدة وهي غير كافية لحاجات السكان». ويتحدث ابو مجاهد عن مشروع بين الاونروا والاتحاد الاوروبي وبلدية الغبيري. ويرى المراسل الفلسطيني حسن بكير بعد بحثه أن معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هي معاناة واحدة و مشتركة، وأسوأها وأكثرها خطورة ووضوحا تنطلق من بقعة صغيرة يعيش عليها ألوف اللاجئين الفلسطينيين الذين حرموا من أبسط سبل الحياة المتوفرة لأي إنسان عادي حتى من حقوقه المدنية، ومن حقوقه التعليمية والصحية والاجتماعية وحتى حرمانه من العيش في بيئة صحية وحق الإرث. وفي ظل أوضاع مؤلمة على كل المستويات المذكورة تقوم الأونروا بتقديم مساعدات طارئة مع منظمات إنسانية أخرى من بينها منظمة اليونسيف والمساعدات الشعبية النروجية والنجدة الشعبية على صعيد الإعمار والترميم وصيانة المجارير وتزفيت بعض الطرق المحيطة بالمخيم بالإضافة الى مساعدات مادية وعينية، وحفر آبار ارتوازية وإنشاء خزانات مياه ومد شبكات مياه، وقد جرت هذه المساعدات للاجئين في مخيم شاتيلا. مشكلة تزايد الكثافة السكانية ويتجلى سوء وتردي الوضع البيئي والوضع الاجتماعي للاجئين في مخيم شاتيلا من خلال الكثافة السكانية المتزايدة للاجــئين وغيرهم من السكان، الذين يشكلون أزمة بحد ذاتها. ففي بداية الثمانينيات كان يسـكن في مخيم شاتيلا ما يقارب 7500نسمة حسب إحصائيات الاونروا آنذاك، حالياً يقيم فــي المــخيم ما يزيد عــــن17000 نسمة حسب إحصائيات اللجنة الشعبية والتي تشير الى ان 60٪ من السكان فلسطينيون، 17 سوريون 13٪ لبنانيون و10٪ جنسيات مختلفة. هذا التزايد المخيف في تعداد السكان أحدث خللاً بالبنية التحتية والفوقية، واكتظاظ المباني أدى الى تضخم سكانــي وأصبح سكان مخيم شاتيلا يعانون من أوضاع سكنية صعبة جدا نتيجة لذلك حـيث أصبحوا يعانون من ارتفاع معدلات السكن للوحدة السكنية، والغرفة الواحدة التي لا يزيد معدل مساحتها عن 9 م مربعة. إضافة الى عدم صلاحية الوحدات السكنية المأهولة من كل النواحي أهمها عدم وجود الإنارة الكافية، وعدم دخول الـشمس اليها مما تسبب بأمراض صدرية عديدة منها الربو والحساسية وأمراض جلدية. وهذا الاختناق السكاني لا يؤكد فقط على وجود مشاكل بيئية مستعصية فحسب، إنما يشير الى التردي الكبير في الأوضاع البيئية التي تهدد حياة السكان. اذ ان انتشار القوارض والحشرات يلاحظ وفي كل الأوقات في الأزقة والتي تهاجم المساكن ومحلات بيع المواد الغذائية، وبالرغم من الــمساعدة الموجودة نسبيا من قبل الأنروا والـنروجية فإن كثرة النفايات وتجميعها بين البيوت وفي الأزقة الضيقة يؤدي الى جعلها مرتعاً للقوارض والحشرات، بالإضافة لمصادر التلوث المحيطـة بالمخيم وأبرزها مكبات النفايات والأبنية المدمرة . وحسب سجلات الأنروا هناك 12235 شــخصا مسجلا في مخيم شاتيلا وليس شرطا أن يكون هذا العدد مقيما داخل المخيم فمنهم من يقيم خارجه والبعض الآخر إما سافر خارج لبنان بداعي العمل وإما بقصد الهجــرة، وتخصص الأونروا 12 عاملا لتجميــع النفايات وتنظيف المجارير و«الريكارات» وسائق سيارة ويتم نقل النفايات من داخل الأزقة بواسطة عربات جر باليد وبسيارة قلاب مخصصة للنفايات، حيث يتم نقلها الى مكب بالقرب من المخيم. أما على صعيد شبكة المجارير فهي لم تعد تستوعب المياه المبتذلة. فمنذ تأسيس المخيم لم يتم إجراء تغيـيرات جذرية على هذه الشبكة باستثناء تغيـير بعض القساطل وبناء الريكارات وتركيب أغطيتها من قبل الأونروا بالإضافة الى العمل اليومي لعمال الأونروا وهو تسليك المجارير المسدودة وتنظيف الريكارات، أي ان الشبكة الحالية لا تتناسب وحجم التـزايد السكاني. وهناك انسداد دائم في هذه المجارير التي تنبعث منها الروائح الكريهة في الأزقة وحتى داخل البيوت.
فاطمة قاسم
السفير

No comments: